ملاحقات “إنتقائية”.. فدائيون لحماية الرؤوس الكبيرة
ترتدي معركة مكافحة الفساد المالي في الإدارات العامة، طابع الإنتقائية المطلقة.
فالمسؤول عن فتح وفضح ملفات الفساد والفاسدين، وهم كثر في لبنان، ينظر بعين واحدة إلى الفاسدين من السياسيين والموظفين الكبار، ومنهم ما زال في منصبه، ويتمادى في فساده، في العلن كما في السر، ويغرف الملايين من الدولارات سنوياً من دون أي محاسبة أو ملاحقة.
ومسلسل ملاحقة الفاسدين الذي يتخصص بفئة معينة من دون غيرها هي فئة “المستضعفين سياسياً وغير المسنودين إلى أي مرجعية”، قد ركز منذ عام على حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، فبات في السجن فيما عملية محاكمته تسير وسط اعتراضات محدودة، على الاقل من فريق الدفاع عنه، وذلك رغم انفضاح حقائق عديدة على مستوى دول أوروبية بدأت بملاحقة شخصيات على صلة بتزوير وتركيب ملف اتهام لسلامة على مدى السنوات الماضية، وبتنسيق مع أطراف سياسية لبنانية معروفة.
والأخطر اليوم أن محاكمة سلامة، لم تحقق أي نتائج ملموسة على المستوى المالي أو حتى إدانة سياسته في مصرف لبنان، بدلالة استمرار العمل بها وبالتعاميم التي أصدرها بعد الانهيار المالي في العام 2019.
ويشار في هذا المجال إلى أن الودائع لم تعد إلى اصحابها كما كان يؤكد كل الذين اتفقوا على تحميل سلامة مسؤولية الانهيار، إلا انهم سجنوا سلامة تحت عناوين وشعارات “براقة” انما كاذبة، وسرقوا الودائع وحملوا المودعين وحدهم كلفة فسادهم او فساد الغالبية العظمى منهم.
ولا يتسع المجال لعرض فضائح الفساد التي يتندر بها الموظفون في الادارات العامة والمواطنون الذين يدفعون الرشوة من أجل تمرير وتسهيل أعمالهم التجارية وتحقيق مشاريعهم في كل القطاعات.
وبعد سلامة، اتى دور وزير الاقتصاد السابق امين سلام، الذي وبصرف النظر عما ارتكبه، يدفع منفرداً ثمن ممارسات مرحلة سياسية وقرارات حكومة لم تعد قائمة وان كانت صفقاتها مستمرة في اكثر من قطاع ومجال حتى اليوم.
يجب محاكمة أي فاسد او سارق للدولة وللبنانيين، ولكن يجب ايضاً فضح كل عمليات الفساد المعروفة والتي تنشر وقائعها المثبتة ببراهين وأدلة في الاعلام، وليست فضيحة تمييع المسؤوليات في تفجير مرفأ بيروت، أو في فضيحة تهريب أدوية مزورة أو عيرها من الملفات المريبة، إلا دليل ونموذج على طريقة مواجهة المرتكبين والمجرمين بحق لبنان ومصلحة اللبنانيين وضحايا تفجير العصر الذي ما زال أهالي ضحاياه ينتظرون العدالة.