سوريا ولبنان: أخوّة أبدية تنبض بالإنسانية رغم كل الحدود عابرة للأزمان
سوريا ولبنان: أخوّة أبدية تنبض بالإنسانية رغم كل الحدود عابرة للأزمان
بقلم الاعلامية آية حنتوش
العلاقة بين سوريا ولبنان لم تكن يوماً مجرد حدود جغرافية تفصل بين دولتين متجاورتين، بل كانت دائماً قصة ممتدة من التآخي والمساندة، تمتد جذورها إلى أعماق التاريخ حيث ارتبط الشعبان بوشائج القربى والمصاهرة والتاريخ المشترك. هذه العلاقة تعكس جوهر الروابط الإنسانية التي تتحدى التحديات السياسية والاجتماعية، وتبني جسوراً من التفاهم والتعاون.
لطالما كان الشعبان السوري واللبناني سنداً لبعضهما البعض في أصعب الأوقات، فخلال الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينيات والثمانينيات لجأ آلاف اللبنانيين إلى سوريا بحثاً عن الأمان حيث في تلك الفترة أظهرت العائلات السورية كرماً واستضافة رائعة و فتحت أبواب بيوتها بكل دفء واستقبلت اللبنانيين كإخوة لهم.
“سامر الحاج” مواطن سوري من حلب يتحدث عن تلك الأيام قائلاً:
“كان لدينا بيت متواضع في أحد أحياء حلب، عندما بدأت الحرب في لبنان، جاء جارنا ذات يوم ومعه عائلة لبنانية كانوا قد فروا من بيروت لم نكن نعرفهم مسبقاً لكن أمي لم تتردد لحظة فرحبت بهم كما لو كانوا أقارب لنا كنا نتشارك كل شيء الطعام، الأحاديث الطويلة، وحتى لحظات الحزن. أتذكر كيف كانت والدتي تطهو لهم طبق الكبة الحلبي على سبيل الترحيب وكأنهم ضيوف عزيزون علينا.”
وفي المقابل، عندما بدأت الأزمة السورية في عام 2011 وقف اللبنانيون بجانب أشقائهم السوريين على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي كان يعاني منها لبنان.
يروي “روي منصور” مواطن لبناني من طرابلس قصته قائلاً:
“كنت أعمل في أحد المطاعم عندما جاء شاب سوري يدعى يوسف كان خجولاً ومتردداً في طلب المساعدة فعندما فهمت وضعه لم أتردد لحظة في مساعدته وعرضت عليه العمل معي خلال الأشهر التالية أصبح يوسف ليس مجرد زميل في العمل بل أخاً حقيقياً لي كان يخبرني عن الأيام التي عاشها في دمشق ، عن عائلته التي فقد التواصل معها وعن الأحلام التي يحملها لمستقبله كنت أراه يكافح يومياً ليصنع حياة جديدة، وكنت أشعر أننا لسنا شعبين بل عائلة واحدة تتقاسم الأمل والصعوبات.”
الثقافة المشتركة بين الشعبين هي شاهد آخر على هذا التداخل الفريد.
من بيروت إلى دمشق، ومن بعلبك إلى حلب، تتشابك الطرقات و اللهجات و العادات اليومية و الأدب و السينما و المطبخ و حتى الموسيقى لتخلق حواراً ثقافياً غنياً. أسماء مثل فيروز ونزار قباني شكلت جزءاً من ذاكرة مشتركة حيث كانت كلماتهما وألحانهما تعبر عن آمال وطموحات شعبين ارتبطا معاً فكان هذا الترابط لغة حب تؤكد لنا أن ما يوحدنا دائماً أقوى مما يفرقنا
ولكن، كما الحال مع أي علاقة إنسانية تعرضت الروابط بين سوريا ولبنان لبعض التحديات بسبب التوترات السياسية وخطابات الكراهية التي حاولت إحداث شرخ بين الشعبين. “ميساء الأسعد” مواطنة سورية قالت:
“في أسوأ الأيام كنت أشاهد اللبنانيين يساعدون السوريين دون التفكير في أي حسابات أخرى كان ذلك دليلاً على أن الإنسانية تتجاوز السياسة.” كما يؤكد المواطن اللبناني زياد دويري:
“علينا أن نتعلم من الماضي ونبني مستقبلاً مشتركًا يعكس الروح التي جمعتنا في أصعب الأوقات.”
العلاقة بين سوريا ولبنان ليست مجرد شراكة جغرافية أو سياسية، بل هي نسيج ثقافي وإنساني متشابك يعبر عن الإرث المشترك لشعبين عاشا جنباً إلى جنب، واقتسما الأفراح والأحزان. إنها قصة مستمرة تدعو الأجيال القادمة للعمل معاً لتحقيق السلام والتعاون لأن الإنسانية كانت و ستبقى اللغة الأسمى التي تجمع بيننا و لأن مستقبلنا مشترك فإما أن نعيش معاً كأخوة أو نفقد ما يجمعنا من الوطن والذكريات التي توحدنا.